استعادة الأراضي ومكافحة التصحر وتعزيز القدرة على التكيف مع الجفاف هو شعار الاحتفال باليوم العالمي للبيئة لعام 2024 ، ويرتبط هذا الشعار بشكل كبير بالسياق الفلسطيني، ففلسطين ما زالت ومنذ عام 1967 وحتى يومنا هذا، تعيش تحت وطأة الاحتلال وممارساته المتمثلة في حرمان الفلسطينيين من حقهم في توفير بيئة سليمة لتنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة كباقي دول العالم.

حيث تسلط ورقة الموقف هذه الضوء على التدهور البيئي والتحديات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة سياسة الاحتلال وممارسته، فدولة الاحتلال ما زالت تحكم السيطرة على الأراضي الفلسطينية في ظل غياب السيادة الفلسطينية الكاملة على المصادر الطبيعة، بالإضافة الى التحديات الناتجة عن تغير المناخ. وذلك من خلال مصادرتها للأراضي لإقامة المستوطنات والقواعد العسكرية وإنشاء الطرق الالتفافية وصولا إلى جدار الفصل العنصري. ولا تقف هذه الممارسات عن هذا الحد فالحرب المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى يومنا هذا شاهدة على سياسة الاحتلال وممارسته ليس فقط ضد الانشان بلى لتطال كافة نواحي الحياة دون مراعاة لحقوق الإنسان الفلسطيني وسلامة بيئته.

الوضع البيئي الراهن

الأراضي والموارد المائية: أدت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي إلى إلحاق أضرار واسعة بالأراضي والموارد المائية الفلسطينية. فوفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تم اقتلاع أكثر من 80  الف شجرة زيتون منذ عام 1967،في حين لم يتم  قطف ما يقارب  20% من أشجار الزيتون الفلسطينية في موسم 2023 بسبب قيود الاحتلال المشددة  التي فرضتها عقب احداث السابع من شهر تشرين أول، بالإضافة الى ممارسات وهجمات المستوطنين  التي منعت وصول المزارعين لأراضيهم . حيث ان هجمات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه باتت تشكل كابوسا للفلسطينيين وخاصة أن هذه الاعتداءات التي تسجّل يوميًّا هي اعتداءات عنف ضدّ المواطنين الفلسطينيّين واعتداءات متعمدة على الأشجار الفلسطينية (وخاصة الزيتون) وكأنها أصبحت سياسة ممنهجة ينفذها المستوطنون كل عام وتزداد شدتها في موسم القطاف.

يعد استنزاف مصادر المياه والتغير المناخي من العوامل المؤثرة على وفرة المياه في فلسطين، غير أن الأطماع والانتهاكات الإسرائيلية للحقوق المائية الفلسطينية هي العامل الاساسي الذي يؤدي إلى حرمان الفلسطينيين من حقهم الطبيعي في مياههم.  يمتلك الفلسطينيون حق الوصول إلى اقل من 17% من كمية المياه المتجددة سنويا في الأحواض الجوفية، بينما تستهلك دولة إسرائيل ومستوطنيها 83% ما يقارب من هذه الكمية المتجددة.

ومن ناحية أخرى لقد أثر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر والقيود التي تفرضها دولة الاحتلال وسيطرتها على الموارد الطبيعية بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني والأمن الغذائي الفلسطيني. ففي الوقت الذي يكافح فيه المزارعين الفلسطينيين المحليين في الأغوار من اجل زراعة المحاصيل، تزدهر في غور الأردن الشركات والمستوطنات الإسرائيلية ليس إلا بسبب المنهجية المتحيزة في سياسة التوزيع للمياه في غور الأردن ومصادرة الأراضي الفلسطينية.. حيث تدهورت المساحات الزراعية الفلسطينية الى اقل من 49 % دونم في حين يقوم المستوطنون الإسرائيليون بزراعة ما يقارب 51% في وادي الأردن وهي مساحات زراعية فلسطينية تم مصادرتها بأوامر عسكرية لصالح المستوطنات والمناطق العسكرية.  فمثلا تتم مصادرة المناطق الطبيعية الرعوية الفلسطينية في الضفة الغربية لصالح المستوطنات مما يجعلها بؤر رعوية إسرائيلية، وبالتالي احداث حالة من التدهور في قطاع الزراعة الفلسطينية. اما في قطاع غزة، فقد دمرت القوات العسكرية الإسرائيلية الأراضي الزراعية، والمساحات المفتوحة، والآبار المائية، مما أدى إلى نقص حاد في المياه مما اضطر المواطنين إلى استخدام المياه الملوثة للاستخدامات المنزلية (للشرب والطعام والنظافة).

الغطاء النباتي: أدى تدمير الغطاء النباتي بسبب العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية إلى زيادة التصحر بشكل كبير. تشير التقارير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على أكثر من 60% من الضفة الغربية، الامر الذي يؤثر بشكل سلبي على مساحة المناطق الخضراء والمناطق الزراعية المتاحة للفلسطينيين. كما انه يؤدي الى فقدان الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي وتآكل التربة والإنتاجية الزراعية وذلك حسب UNOSAT.  مقارنة بمتوسط السنوات الست السابقة، انخفضت صحة وكثافة المحاصيل والأراضي القابلة للزراعة في قطاع غزة بنسبة 34% في تاريخ كانون ثاني من عام 2024، اما بالنسبة ل تحليل المحاصيل فأظهرت النتائج أن 21% من الأراضي القابلة للزراعة قد تضررت بشكل كبير جراء هذا العدوان.

تغير المناخ: تواجه الأراضي الفلسطينية المحتلة تحديات ومخاطر بسبب تغير المناخ، بما في ذلك زيادة درجات الحرارة وفترات الجفاف الطويلة.: حيث تعمل الحكومة الفلسطينية والمؤسسات المجتمع المدني على تبني وتنفيذ استراتيجيات فعالة للتكيف مع تغير المناخ، غير ان الاحتلال يحول دون قدرة الفلسطينيين الوصول وإدارة مواردهم، والأهم أنه يحول بينهم وبين اتخاذ التدابير الكفيلة بدعم التكيف مع تغير المناخ. وبالتالي سيكون لهذه التحديات تداعيات إنسانية وبيئية وخيمة على السكان الفلسطينيين. فان زيادة وتكرار موجات الحر والجفاف وتباين معدلات هطول الامطار سيزيد من الضغط وخصوصا على الموارد المائية، حيث تؤدي مثل هذه التغيرات المناخية الى زيادة نسبة الملوحة في المياه وبالتالي تأثير بشكل سلبي على نوعية المياه الجوفية وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة وفي الاغوار.

تأثير ممارسات الاحتلال

تدمير البنية التحتية: أدت العمليات العسكرية وأنشطة المستوطنين إلى تدمير البنية التحتية الحيوية. منذ عام 1967، تم هدم أكثر من 18000 منزل في الضفة الغربية وغزة، وغالباً ما يصاحب ذلك تدمير الأراضي الزراعية والمرافق خدمات المياه والصرف الصحي. خلال العدوان الإسرائيلي والمستمر على غزة حتى هذا اليوم   تم تدمير أو تضرر ما لا يقل عن 60% من وحدات السكنية في غزة، بالإضافة إلى 352 منشأة تعليمية و20 منشأة مائية وصحية. ذا التدمير المنهجي يقوض جهود استعادة وإدارة الموارد الطبيعية الفلسطينية بشكل فعال وسليم بيئيا.

تقييد الوصول إلى الموارد: يقيد الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير وصول الفلسطينيين إلى الموارد الأساسية. حوالي 85% من وادي الأردن غير متاح للفلسطينيين، مما يحد من قدرتهم على زراعة الأراضي الخصبة والوصول إلى مصادر المياه. أدى بناء الجدار الفاصل أيضاً إلى عزل التجمعات الفلسطينية عن أراضيها الزراعية، مما زاد من حدة انعدام الأمن الغذائي. ان القيود المفروضة على حركة المواطنين والسلع تؤثر بشكل حاد على الاقتصاد الفلسطيني، الامر الذي أدى إلى خسارة متوقعة بنسبة 25.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024.

التلوث والتدهور البيئي: غالباً ما تفتقر المناطق الصناعية المقامة في المستوطنات وعلى أراضي الضفة الغربية إلى اللوائح البيئية المناسبة، مما يؤدي إلى تلوث كبير للأراضي والمياه. فالنفايات الخطرة من هذه الصناعات تلوث الأراضي الزراعية الفلسطينية ومصادر المياه، مما يشكل مخاطر صحية شديدة للسكان المحليين اما في غزة فمنذ  منذ بداية الحرب ، يتم التخلص من ما لا يقل عن 100000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي يومياً في المناطق السكنية والأراضي الزراعية  أو في البحر الأبيض المتوسط، مما يؤدي إلى تلوث المياه بشكل شديد ومخاطر صحية.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي نوعية الحياة: للتدهور البيئي تأثير مباشر على نوعية الحياة للفلسطينيين. في الضفة الغربية، تؤثر البيئة ذات الجودة المنخفضة على ظروف المعيشة اليومية، بينما في غزة، فان الدمار الذي يشهده القطاع خلق أزمة إنسانية. كارثية حيث تساهم الظروف البيئية الرديئة بتفاقم المشاكل الصحية، وانخفاض غلة المحاصيل والجودة الغذائية بالإضافة الى نقص الوصول إلى المياه النظيفة. اعتباراً من ديسمبر 2023، 1.9 مليون شخص أي ما يقارب 85% من سكان غزة يعيشون ظروف صعبة وبائسة ومحرومين من الحصول على الغذاء والمياه والأدوية والمأوى المناسب.

البطالة والفقر: يرتبط التدهور البيئي ارتباطاً وثيقاً بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية مثل البطالة والفقر.  يؤدي تدمير الأراضي الزراعية والموارد المائية إلى تقييد الفرص الاقتصادية، لا سيما في المناطق الريفية. فمعدل البطالة العالي، والذي يبلغ 27% في الضفة الغربية و46%  في قطاع غزة، أدى ويؤدي إلى تفاقم الفقر وانعدام الأمن الغذائي، خاصة بين الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن. فالاقتصاد الفلسطيني فقد ما يقدر بـ 8.7% من ناتجه المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2023، ومن المتوقع أن يخسر 25.8% في عام 2024، وهو ما يعادل 6.9 مليار دولار.  اما اقتصاد غزة شهد انكماش حاد بنسبة 80% في الربع الرابع من عام 2023

انتهاكات حقوق الإنسان: يمثل التدمير البيئي المستمر وتبعاته الاجتماعية والاقتصادية انتهاكاً واضحا لحقوق الإنسان الفلسطيني. يتم انتهاك الحق في بيئة صحية، والوصول إلى المياه النظيفة، والأمن الغذائي بسبب سياسة الاحتلال وممارسته. ويتحمل المجتمع الدولي مسؤولية وقف هذه الانتهاكات وانهاء الاحتلال ودعم الجهود لحماية حقوق الانسانية للفلسطينيين. بحلول ديسمبر 2023، أدى الصراع إلى تراجع التنمية البشرية في غزة والضفة الغربية من 11 إلى 16 سنة.

التوصيات

  • الدعوة والدعم الدولي: يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ دوراً حازما في الدعوة لحماية الحقوق البيئية والإنسانية للفلسطينيين. يتضمن ذلك الضغط على إسرائيل لوقف الأنشطة التي تسبب التدهور البيئي وتقديم الدعم للمبادرات الفلسطينية التي تهدف إلى استعادة الأراضي والتنمية المستدامة.
  • تعزيز الحوكمة المحلية: يجب على الحكومة الفلسطينية تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات البيئية من خلال التخطيط الشامل وتنفيذ السياسات والتي تتضمن تطوير استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ، وزيادة المرونة المجتمعية.
  • تمكين المجتمع المدني: تلعب منظمات المجتمع المدني الفلسطينية دوراً حيوياً في حماية البيئة وزيادة مرونة المجتمع. فدعم هذه المنظمات سيعمل على إحداث التغيير المستدام من خلال   تعزيز الجهود الرامية لتحسين الوضع البيئي وتمكين المجتمع لتصدي لتغير المناخ والحفاظ على المصادر الطبيعة لاستعادة وحماية البيئة.
  • الاستثمار في التنمية المستدامة: الاستثمار في مشاريع التنمية المستدامة أمر ضروري لإعادة بناء وتعزيز مرونة المجتمعات الفلسطينية. يتضمن ذلك المبادرات في الطاقة المتجددة، وإدارة المستدامة للمصادر المائية  ، والزراعة المستدامة، والتكنولوجيا الخضراء التي يمكن أن تخلق فرصاً اقتصادية وتحسن ظروف المعيشة.